مقالات طبية

المرأة في الطب

المرأة في الطب

نماذج مشرّفة ودور قيادي

ذكرت إحصائيات نشرت في العام 2017 أن ذاك العام سجل تفوق أعداد النساء الطبيبات على الرجال الأطباء لأول مرّة في التاريخ. وهكذا تكون النساء قد تجاوزن كل العقبات المجتمعية والدراسية وأثبتن جدارة موثوقة في هذا المجال. وبتنا نرى اليوم طبيبات يَقُدنَ مستشفيات كبيرة نحو النجاح والتوسع، وأخريات يتسلمن جوائز نوبل مكافأة على إنجازاتهن الطبية. وكثير من تلك الطبيبات نماذج رائدة عن المزج بين المعرفة والكفاءة العلمية من جهة، وبين اللطف والرعاية النفسية للمريض من جهة ثانية. وسجّلت المرأة في القطاع الصحي إنجازات كثيرة الى أن بات دورها قياديا في هذا القطاع من خلال ما تقوم به من دور فاعل أسهم في تعزيز الخدمات الصحية والعلاجية الى جانب الاستراتيجيات والخطط الطموحة التي توصلت اليها والتي أثمرت نهوض القطاع الصحي. 

يزخر العالم العربي بنساء رائدات سواء من يعملن في هذه المهنة الإنسانية، حيث المرأة هي الطبيبة والممرضة والباحثة، او يدعمن هذا القطاع من خلال عملهن حيث تتميز دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الاوسط بكوكبة من السيدات الاوائل ووزيرات للصحة كانت لهن لمسات مميزة في دعم القطاع الصحي. ولقد تمكنت المرأة من تجاوز العقبات وأثبتت جدارتها وكفاءتها الى أن بتنا نرى اليوم وزيرة صحة تقود القطاع الصحي في بلادها أو طبيبة تدير مركزا طبيا او مشروعا ضخما. 

والعالم يزخر اليوم بالكثير من السيدات اللواتي سجلن انجازات طبية غيّرت وجه الطب الحديث. 

كما يوجد اليوم الكثير من النساء اللواتي قدمن مزيجا نادرا من حيث الجمع بين المعرفة والكفاءة العلميّة من جهة، وبين اللطف والرعاية النفسيّة للمريض من جهةٍ أخرى. والنماذج النسائية التي أحرزت مكانة مرموقة بما حققته من انجازات يشار لها بالبنان وما حصلت عليه من العديد من المؤهلات العلمية.

تاريخ المرأة في الطب

أول امرأة ذكرت في تاريخ الطب هي الفرعونية ميريت بتاح 2700 قبل الميلاد وذكرت بعدها في التاريخ طبيبات أخريات لكن لم تكن بينهن طبيبات مجازات قانونا، إلى أن ظهرت في القرن الثاني عشر الطبيبة الإيطالية المشهورة تروتا من مدينة ساليرنو التي مارست الطب وكتبت وجمعت الكثير من ممارساتها الطبية في كتب عدة… لكنها كانت ظاهرة إستثنائية في جامعات أوروبا التي كان يديرها رجال دين ولم يكن مسموحا للنساء دخولها. إلا أن العديد منهن برزن في عالم الطب منذ تلك الفترة بينهن الطبيبة البلغارية لورا باسي Laura Bassi التي عينت أستاذة بروفسورة للتشريح في جامعة بلغاريا عام 1736.  رغم ذلك تمكنت النساء من خلال مهنة التمريض من الدخول بقوة إلى الأعمال الطبية وشيئا فشيئا بتن من أساسيات الجهاز المعالج في المستشفيات. لكن حتى مع هذه التطورات ظل التمريض يعتبر على أنه امتداد لدور النساء الإجتماعي في الرعاية والعناية بالأسرة. ولم يصل إلى حد الإنخراط الكامل في الدور الطبي. 

وحتى القرن التاسع عشر لم يتسنَّ للنساء اكتساب اختصاصات الطب وممارسته حتى أن الطبيبة مارغريت بركلي تنكرت كطبيب رجل 46 عاما ليتسنى لها ممارسة مهنتها كطبيبة. لم يطل الأمر أكثر من أواخر القرن التاسع عشر حتى بدأت كليات الطب تستقبل الفتيات للتخصص كالشباب في هذه المهنة الإنسانية الرائدة. استمر الأمر كذلك حتى فرضت الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن العشرين، ضرورة انخراط المرأة أكثر في عالم الطب بسبب النقص في الرجال الذي فرضته الحرب، وبالتالي الحاجة أكثر إلى معالجين لمداواة جرحى الحرب من جهة وضحايا الأمراض السارية يومها والتي فتكت بملايين الناس.

بعد هذه المعاناة الطويلة والغياب القسري، نجد اليوم النساء منخرطات بقوة في عالم الصحة وليس بالضرورة طبيبات فقط أو ممرضات تحديدا، بل مؤسِّسات لمستشفيات ومديرات لها وأستاذات في كليات الطب ومديرات شركات أدوية وواضعات ابتكارات واكتشافات قيّمة على هذا الصعيد. وإضافة إلى ذلك نجد وزيرات للصحة أظهرن كفاءة عالية في إدارة القطاع وتحقيق النجاحات والتميّز. وقد أدى هذا التطور إلى خلق ديناميكة إيجابية في القطاع الصحي ولذلك فهو في تنامٍ مستمر وتطور أفضل.

وثمّة من يقول إنه بقدر ما هي مهنة الطب مهنة إنسانية، بقدر ما هي أنجح بين يدي النساء المتصفات بنجاحهن بالممارسات الإنسانية. أما باقي الممارسات المتصلة بالعمليات الجراحية وحالات الطوارئ والتي كانت تتطلب صلابة وقدرة بدنية، فمعظمها بات اليوم ينفذ بواسطة الروبوت، ومتاح للنساء كما للرجال. ويقول تقرير لـ”هيئة خدمة الصحة” في بريطانيا National Health Service إن الهيئة لا ترغب في خسارة أي من طاقمها من الطبيبات ذوات الكفاءة العالية والتدريب الجيد، ولا نجد بينهن أي دليل يدعم الرأي المنتشر بأن النساء أكثر قابلية من الرجال لترك عملهن الطبي، وهدر موهبتهن وسنوات تخصصهن. وتمثّل النساء الغالبية في طب الأطفال مقارنة مع الأطباء الرجال الذين يتحولون أكثر إلى اختصاصات أخرى.

أصبحت إليزابيث بلاكويل لدى تخرجها من كلية جنيف للطب في نيويورك يوم 23 كانون الثاني/يناير، 1849، أول إمرأة في الولايات المتحدة  تنال شهادة في الطب. وقد تخطّت عقبات كثيرة لأنه لم يكن هناك أية كلية أميركية أخرى تسمح للنساء بالتخصص بالطب. وفي تصميمها على الترويج لدور النساء في مهنة الطب، تخرجت بلاكويل في المرتبة الأولى لصفها وأسست مستوصف نيويورك للنساء والأطفال الذي كان أول مستشفى في البلاد تديره إمرأة، كما افتتحت كلية طب نسائية. 

وفي يومنا هذا، تتبوأ الطبيبات أعلى مناصب مهنة الطب كما أنهن يعتنين بمجتمعات بكاملها فيما يجابهن تحديات جديدة في مجال الرعاية الطبية حول العالم.

سيدات طبيبات

المرأة الطبيبة هي اليوم مصدر ثقة بالنسبة للكثير من المرضى بحيث تغير المفهوم الذي كان سائدا والذي يدل على عدم ثقة المرضى في الطبيبة. وهناك اسماء لامعة لطبيبات قدّمن خدمات صحية وطبية عبر عملهن الدؤوب في سبيل تطوير المجال الطبي واكتشاف الأدوية وعلاج الكثير من الأمراض يُشهد لها عبر التاريخ. جهود المرأة في عملها كطبيبة كانت بحاجة الى تضافر الجهود لتخطي الصعوبات المهنية واثبات جدارتهن وتحقيق المزيد من الإنجازات، ورغم أن إسهامات المرأة تاريخيا كانت ضئيلة بسبب العوائق الاجتماعية والدينية والثقافية إلا أن ما توصلن إليه اليوم من إسهامات يثبت القدرة العالية والمهنيّة العالية والاحتراف في هذه المهنة الانسانية. 

والعوائق التي كانت سائدة تجاه الطبيبة في المجتمع لم تمنعها من تقديم أفضل رعاية صحية للمرضى، وذلك وفق ما أكدته بعض الدراسات التي أظهرت أن الطبيبات يبدين صرامة أكثر من الأطباء في الالتزام بالمبادئ التوجيهية السريرية، ويقدمن المزيد من الرعاية الوقائية، ويتواصلن أكثر مع المرضى مقارنة بالأطباء الذكور.

المرأة في التمريض

مهنة التمريض تعتبر من أهم المهن التي امتهنتها النساء إلى أن بتن يشكلن الغالبية العظمى في هذه المهنة الإنسانية التي تجعل من الممرضة على تماس مباشر مع المريض. إنها مهنة تحتاج الى قلب كبير وعطف والمرأة على مر التاريخ أثبتت جدارتها في مهنة التمريض متحدية كل العقبات. مهنة التمريض هي من الحاجات الاساسية التي يتطلبها المجتمع، والممرضة هي صلة الوصل بين المريض والطبيب، ودورها يشكل ركيزة أساسية تساعد في تقدّم مجالات الطب والصحة. من هنا، لا ينحسر عمل الممرض أبداً في مساعدة الطبيب أو الاعتناء بالمريض، بل يتخطى ذلك ليصل إلى كتابة التقارير التشخيصية عن حالات المرضى ومراجعة التقارير الطبية والقيام بالتجارب والأبحاث. 

في البداية كان دور الممرضة تضميد الجراح والعناية بالمصابين لاسيما في الحروب وتقديم المساعدات لهم؛ ومع تطور المهنة توسع دور الممرضة الى ان بات من اختصاصها التحقق من نظافة الأجنحة والمعدات وتدوين الملاحظات والإطعام، وتنظيف الجرحى، ومساعدتهم لقضاء الحاجة، والحركة، ووضعهم في أسرَّتهم.

المرأة العربية والطب

المملكة السعودية: المرأة السعودية في القطاع الصحي لها إسهامات كثيرة جدا وذلك لما وفرته لها الحكومة من أحقية التعليم والتأهيل الصحي وممارسة المهن الطبية على اختلاف التخصصات الأمر الذي جعلها تحقق مكانة مرموقة في الجانب الصحي ليس على الصعيد الوطني فقط وإنما على الصعيدين العالمي والعربي.

فالدكتورة حصة محمد الجريد عميدة الكلية الصحية بالرياض بالنيابة تؤكد على أن التعليم الصحي الفني في وطننا يتحدث عن نفسه بما نراه من إنجاز مجسم في عدد المعاهد والكليات الصحية في القطاع الصحي التعليمي بوزارة الصحة والتي يصل عددها إلى 49كلية ومعهدا وفي عدد الكفاءات الوطنية المتميزة التي تم تخريجها وتتمتع بها معظم المستشفيات في أنحاء المملكة حيث بلغ مثلا عدد الخريجات منذ إنشاء الكليات وحتى العام 1426 – 1427 (11927) خريجة. 

والدكتورة سلوى بنت عبدالله فهد الهزاع أدرجت في قائمة الشخصيات العلمية المميزة، رئيسة قسم العيون واستشاري طب وجراحة العيون من النماذج السعودية النسائية التي أحرزت مكانة مرموقة في العالمين العربي والإسلامي بما حققته من انجازات وما حصلت عليه من العديد من المؤهلات العلمية والسياسية. فهي أستاذة مشاركة في طب وجراحة العيون بمعهد ويلمر بمستشفى جونز هوبكنز بلتيمور في الولايات المتحدة، وزمالة الكلية الملكية للجراحين جامعة ادنبرة، انجلترا، وزمالة بأمراض وجراحة العيون جامعة الملك سعود كما حصلت على العديد من الدورات في مجال جراحة العيون في عدد من الدول الأوروبية والاميركية كما حصلت على العديد من الشهادات التقديرية والجوائز العالمية، حيث نالت من جامعة الملك سعود شهادة وجائزة “أفضل طبيب مقيم” للسنة الاكاديمية، وغيرها العديد من الجوائز.

ومن المعالم النسائية البارزة في هذا المجال أيضا، الدكتورة هويدا القثامي التي تعد أول إستشارية لجراحة القلب بالشرق الأوسط والثانية في العالم.

كما تنفرد بأنها اول من بدأ عمليات ربط الشريان الرئوي للأطفال الذين لديهم عيوب خلقية في القلب وتفرغها الكامل لجراحة القلب للأطفال والرضع والخدج. وبدأت عملها في مستشفى القوات المسلحة بالرياض قبل سبعة عشر عاماً حازت خلالها على الزمالة البريطانية في الجراحة من جامعة ادنبرة في بريطانيا ومن ثم الزمالة الكندية في جراحة القلب للاطفال من جامعة تورنتو في كندا وشاركت في سبع عشرة مشاركة كمتحدثة ورئيسة لبعثة طبية في مختلف دول العالم.

دولة قطر: دور المرأة في الطب في دولة قطر تخطى كل الطموحات وكان واضحا ما حظيت به المرأة من دعم القيادة الرشيدة لبلوغها أعلى المناصب، وواصلت المرأة القطرية عملها في المجال الصحي الذي تبوأت فيه مناصب عليا دللت على نجاحاتها في التطوير والعمل، وأبلغ مثال حي على ذلك الدكتورة حنان الكواري التي تقود وزارة الصحة اليوم والتي أسهمت في وضع استراتيجيات صحية طموحة الى جانب ادخال المزيد من التطورات التي تترجم اليوم من خلال المشاريع الصحية الجديدة وتوسعات المشاريع الحالية. والدكتورة الكواري، ومن خلال منصبها، تطمح إلى تطوير نظام متكامل للرعاية الصحية من حيث الخدمات الصحية والوقائية والعلاجية وفق أفضل المعايير والجودة العالمية بهدف تحسين صحة المجتمع القطري وتلبية احتياجات المواطنين والمقيمين على حد سواء.

دولة الإمارات: لقد شهدت مسيرة عمل المرأة في مهنة الطب إنجازات عظيمة وبصمات واضحة في دولة الإمارات العربية المتحدة وكان لها الدور البارز في نهضة الدولة بفضل ما حظيت به المرأة من دعم لامحدود من قبل سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة «أم الإمارات»، حيث أسهمت جهودها في إزالة العوائق التي تقف امام نهوض المرأة وتمنعها من الدخول الى مهنة الطب، فبتنا نرى اليوم طبيبات إماراتيات في مراكز قيادية متقدمة. وهذا لم يكن ليتم الاّ في ظل ما توفره القيادة الرشيدة من بيئة مناسبة وقاعدة داعمة وراسخة، وموارد متعددة في كل المراحل، سواء أكان ذلك في توافر أفضل فرص التعليم، أو فرص العمل، والتي تدعم المرأة من الوصول إلى أعلى المناصب، والمشاركة بإيجابية في مسيرة التنمية والتطوير وبالأخص في القطاع الصحي.

ولقد أثبتت المرأة في القطاع الصحي على صعيد الإمارات مكانتها على مختلف المستويات سواء الإدارية أو المهنية. وقد حققت الطبيبة الإماراتية إنجازات مشهودة وأثبتت قدرتها على مواكبة التطور في القطاع وأخذ دور محوري في ضمان استدامته ومواصلة تقديمه لخدمات الرعاية الصحية وفقاً لأعلى المعايير العالمية. والمرأة الإماراتية اليوم اكدت أهمية الدور الذي تؤديه في هذه المهنة الانسانية من خلال مشاركتها في سوق العمل الصحي وتحقيق الإنجازات فيه، الى ان أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الصحية وأحد أهم الأسس التي يقوم عليها. ومؤخرا تمّ تسليط الضوء على القيادات النسائية في مجالات الطب، طب الأسنان وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة خلال منتدى نظّمته جامعة ولونغونغ في دبي بالتعاون مع مجلس سيدات أعمال دبي. 

واستمع المشاركون خلال المنتدى إلى الدكتورة هبة شطا، سيدة أعمال سعودية شهيرة، طبيبة أسنان ومشاركة في تأسيس المركز الطبي لتدخّل الطفولة المبكرة في دبي الذي يقدّم خدمات فريدةً من نوعها للأطفال الذين يعانون من مرض التوحد في دبي.

إلى مستقبل أفضل

اللافت أنه على الرغم من هذه النجاحات، النساء لا يشغلن أكثر من 18 بالمئة من مناصب الرؤساء التنفيذيين في المشافي، و16 بالمئة من مجمل عمداء الكليات ورؤساء الأقسام في الولايات المتحدة. من هنا تمحور مؤتمر “النساء القادة والصحّة” حول الفرص المتاحة والتحديات التي تواجهها القيادة النسائية في مجالات الابتكار والتعليم الطبّي وتوفير الرعاية الصحّية والميادين العلمية والبحثية والاستدامة والتطوير الدولي. يهدف هذا الجهد وسواه على امتداد العالم إلى ترسيخ بيئة تحتضن الابتكارات والأبحاث والإكتشافات التي تقودها النساء وتمكنهنّ عبر تبادل أفضل الممارسات الإقليمية والدولية، وتعزيز فرصة صقل المهارات عبر التكنولوجيا، والتدريب، وريادة الأعمال، والقيادة التنفيذية والمؤسسات الإجتماعية. لذلك تعلو المطالبة باعتماد خطط قابلة للتنفيذ لتمكين المرأة في هذه القطاعات الحسّاسة في ظل السعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلّقة بالمساواة بين الجنسين وصحة الأم والأطفال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى