مقابلات

البروفيسور‭ ‬ناجي‭ ‬الصغير

أستاذ‭ ‬الطب‭ ‬السريري‭ ‬ورئيس‭ ‬قسم‭ ‬أمراض‭ ‬الدم‭ ‬والسرطان‭ ‬

ومدير‭ ‬مركز‭ ‬علاج‭ ‬سرطان‭ ‬الثدي‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬نايف‭ ‬باسيل‭ ‬للسرطان‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الطبي‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ (‬AUBMC‭)‬

البروفيسور‭ ‬ناجي‭ ‬الصغير

الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬للجنة‭ ‬العالمية‭ ‬للجمعية‭ ‬الأميركية‭ ‬لعلاج‭ ‬السرطان

رئيس‭ ‬الجمعية‭ ‬اللبنانية‭ ‬لمكافحة‭ ‬سرطان‭ ‬الثدي

“يجب‭ ‬تغيير‭ ‬مفهوم‭ ‬السرطان‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬مميت‭ ‬إلى‭ ‬مرض‭ ‬يمكن‭ ‬التعايش‭ ‬معه”

إنطلقت حملة التوعية حول سرطان الثدي هذا العام بأسلوب مبتكر من خلال فيديو توعوي يلقي الضوء على أهمية الكشف عن أي تغيّر في الثدي، وهو ما يمكن أن تكتشفه السيدة عبر قيامها بالفحص الذاتي للثدي شهريًا. البروفيسور ناجي الصغير، أستاذ الطب السريري ورئيس قسم أمراض الدم والسرطان ومدير مركز علاج سرطان الثدي في معهد نايف باسيل للسرطان في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت (AUBMC)، الرئيس السابق للجنة العالمية للجمعية الأميركية لعلاج السرطان ورئيس الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي، تحدّث عن أهمية التوعية والكشف المبكر لما لذلك من دور فاعل في إكتشاف الورم في مراحله المبكرة وبالتالي نجاح العلاج بشكل كبير. حول هذه الحملة يحدثنا البروفيسور ناجي الصغير.

هلا حدثتنا عن الفكرة التي تسعون إلى التركيز عليها من خلال حملة مكافحة سرطان الثدي لهذا العام؟ 

في الواقع، إن الفكرة التي نسعى إلى التركيز عليها تكمن في حث النساء على إجراء الفحص الذاتي للثدي لما له من أهمية في ملاحظة أي تغيرات أو ظهور أي تكتلات، ويتم هذا الفحص كل شهر في اليوم الخامس أو السابع من نزول الدورة الشهرية.  ففي هذا العام قرّرنا التشديد على أهمية الفحص الذاتي للثدي خاصة في البلدان التي لا يوجد فيها إقبال كبير على تصوير الثدي الشعاعي ماموغرافي، وهو ما نتوقعه هذا العام في ظل مشاغل وزارة الصحة ودول العالم أجمع بتفشي جائحة كورونا إلى جانب الضائقة الإقتصادية؛ كلها عوائق تحد من إمكانية المرأة من التوجه إلى أي مركز طبي أو مستشفى لإجراء الماموغرافي. من هنا، جاءت الفكرة للتركيز على الفحص الذاتي مع التأكيد على ضرورة المتابعة المباشرة مع الطبيب في حال ظهر أمر ما غير مألوف خلال تحسّس الثدي بباطن أصابع اليد. 

هناك دراسات تتحدّث عن وجود الكثير من حالات سرطان الثدي التي يمكن كشفها بواسطة الفحص الذاتي، ولكن طبعاً من دون أن نقلل من الدور المحوري للتصوير الشعاعي الماموغرافي والـUltrasound في الكشف عن السرطان.

وبالتأكيد، نركز دائما على أهمية الكشف المبكر لما له من أهمية في نجاح العلاجات ونجاة المرأة من براثن المرض وإطالة أمد الحياة ونقول للنساء لا تَخفْن ولا تُخفين المرض والأمل في نجاح العلاج بات أكبر بكثير في ظل ما نشهده من علاجات متطورة.  المرأة إذا كانت ما بين العشرين عاماً والأربعين يجب أن تجري الفحص الذاتي مرة في الشهر مع زيارة الطبيب كل ثلاث سنوات كإجراء روتيني، ولكن بعد سن الأربعين يتوجب عليها زيارة الطبيب سنوياً وإجراء صورة الماموغرافي، وهو ما نؤكد عليه من خلال الحملة السنوية نظراً لأهمية الكشف المبكر ودورها في التخفيف من معاناة المريضة.

لكن العامل الوراثي في العائلة يستدعي البدء بالكشف المبكر في مراحل مبكرة أي قبل سن الأربعين، وفي مثل هذه العائلات نحث النساء على البدء بالتصوير الشعاعي والـUltrasound في سن الـ25 وقد نلجأ في بعض الحالات إلى الـMRI كل ستة أشهر.  وأود الإشارة هنا إلى أنه في أوروبا التوصيات تشير إلى إجراء التصوير المخصص للثدي بعد سن الخمسين، لكن في بلداننا فإن حوالى 50 بالمئة من حالات السرطان يتم إكتشافها قبل سن الخمسين. التوصيات والإرشادات الحديثة للجمعية الأميركية للسرطان (American Cancer Society) توصي بالبدء من سن الـ45.

ماذا عن الفيلم القصير الخاص بالحملة؟

قامت بهذا الفيلم التوعوي الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، حيث قامت “أم علي” (ملكة المناقيش في سوق الطيب) بتصوير الفيديو بعد تدريبها جيداً وإطلاعها على كيفية القيام بالفحص الذاتي للثدي من كل الإتجاهات وتحت الإبطين والحلمة في باطن الكف وبالأصابع عبر تمرير اليد من الخارج إلى الداخل. 

وقد لاقى الفيلم التوعوي إعجاباً من سائر الجهات المعنية وخاصة السيدات؛ هذا وأود أن أنوّه بالجهود الكبيرة لنائبة رئيس الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي السيدة ميرنا الصبّاح حب الله والسيدات المتطوعات وكذلك الطبيبة النسائية البروفيسور غنى غزيري وطبيبة التصوير الشعاعي للثدي البروفيسورة غني برجاوي لتعاونهما.

ما هي نشاطات الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي؟

حملات التوعية هي في صلب عمل الجمعية وقد بدأنا منذ العام 2002 مع وزارة الصحة ومنذ العام 2011 في الجمعية، حيث لاقت هذه الحملات رواجاً كبيراً طوال السنوات الماضية وأسهمت إلى حد كبير في كسر حاجز الخجل والخوف الذي كان يسيطر على غالبية النساء فكانت النتيجة أن غالبية السرطانات كان يتم إكتشافها في مراحل متقدمة، بينما ما نراه اليوم هو أن ثلثي حالات سرطان الثدي في المراحل المبكرة ولدينا دراسات نقوم بها في الجامعة الأميركية في بيروت تؤكد أن ما نسبته 90 بالمئة من السيدات في المراحل الأولى يشفون بالكامل من المرض.

من ضمن نشاطات الجمعية تقديم الدعم النفسي والمعنوي للمريضات لما لذلك من أهمية في نجاح العلاجات والتخفيف من معاناتهن أثناء تلقي العلاج، كما نقوم بجمع التبرعات للمريضات اللواتي هن بحاجة إلى ذلك.

كما نقوم بحملات توعية حول حقوق المريضة بالحصول على أفضل علاج ونشارك في مؤتمرات مثل مؤتمر بيروت لسرطان الثدي السنوي والمنظمة العربية لمكافحة السرطان، ولدينا دور جديد مع جمعيات مكافحة سرطان الثدي المنتشر ABC global alliance والإتحاد الدولي لمكافحة UICC-Union International Cancer Control.

هلا حدثتنا عن رحلة العلاج التي تخوضها المرأة بعد تشخيص السرطان؟

إن أول ما نؤكد عليه هو عدم الهلع حيث يتوافر اليوم مروحة واسعة من الخيارات العلاجية الفعّالة والجراحات الجزئية، فبعد الفحص السريري والتصوير الشعاعي الماموغرافي والـUltrasound نأخذ خزعة من الورم لنحلّلها في المختبر لنحدد طبيعة الورم فيما إذا كان ورم خبيث أم حميد أو أنها في مرحلة ما قبل السرطان وعليه نبني على الشيء مقتضاه.

نحن نقوم بدرس الحالة بشكل دقيق ومفصل بناءً على نتيجة الخزعة، وفي بعض الأحيان نقوم بفحص Genomic Profiling وهي عبارة عن فحوصات الورم الجينية التي تظهر لنا ما إذا كان الورم بطيء أو سريع النمو، وما هو إحتمال ظهور المرض مرة جديدة.

في حال تبين أن هناك سرطان، فمن الممكن إزالته بواسطة الجراحة الجزئية ولا داعي لإستئصال الثدي بأكمله، فالطرق الجراحية المتبعة اليوم هي عدم إزالة العقد الليمفاوية تحت الإبط  بكاملها بل يكفي إزالة الأولى منها المسماة “العقدة الحارسة” لفحصها فإذا كانت سليمة لا داعي لإزالة بقية العقد الليمفاوية. 

ومن ثم تخضع المريضة بعد ذلك لجلسات من العلاج الإشعاعي والتي شهدت بدورها تطوراً ملحوظاً فبعد أن كانت مدتها ستة أسابيع على المريضة أن تتوجه يومياً إلى المستشفى لإجرائها جاءت الدراسات الحديثة لتؤكد أنه يمكن إعطائها خلال ثلاثة أسابيع فقط.

في مرحلة لاحقة، نبحث عن طريقة علاجية للتأكد من عدم حدوث إنتكاسة جديدة وظهور المرض فنعطي المريضة إما العلاج الكيميائي أو العلاج بالهرمونات أو العلاج البيولوجي المهدّف، وأحيانا يمكن دمج نوعين أو ثلاثة من العلاجات معاً للوصول إلى الهدف المنشود. 

في حالات الكشف المبكر، قد لا يتطلب الأمر سوى علاج هرموني لمدة خمس أو عشر سنوات عندما تكون خصائص المرض بطيئة النمو وإحتمال عودتها ضئيل.

البروتوكولات العلاجية المتطورة باتت تتيح لنا إمكانية معرفة العلاج والإستجابة الأمثل لكل نوع وكل مرحلة من سرطان الثدي؛ فإذا كان الورم قد أظهر إيجابية لمستقبلات HER2 نعتمد العلاجات الموجّهة التي تستهدف الورم مباشرة وتمنعه من الظهور مجدداً.

أما النساء اللواتي يكتشفن المرض في مراحل متقدمة، يجب أن يخضعن أولا للعلاج الكيميائي لتقليص حجم الورم الذي شهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ثم نقوم بالجراحة التي يمكن أن تكون جزئية. تحتاج مثل هذه الحالات إلى تقليص حجم الورم بواسطة العلاج الكيميائي مع مضادات مستقبلات HER2  المعروفة بإسم Trastuzumab وPertuzumab، وإذا كان الورم من نوع ثلاثي السّلبية تخضع المريضة لجلسات من العلاج الكيميائي لتقليص حجم الورم والإحتمال هنا كبير جداً في تقليصه بالكامل بنسبة تصل إلى ما بين 50 إلى 60 بالمئة أو من الممكن أن يتقلص بشكل نهائي، لنقوم بعد ذلك بجراحة جزئية ومن ثم جلسات العلاج الإشعاعي ثم نقرر العلاج الذي سنكمل به سواء بواسطة العلاج الكيميائي أو العلاج الموجه أو العلاج الهرموني بحسب مواصفات الورم. ومن المعروف كذلك أن العلاجات الموجهة (Anti Her2) خفّفت من إحتمال عودة المرض بنسبة 50 بالمئة ومن نسبة الموت بسبب سرطان الثدي 30 بالمئة.

وأود الإشارة هنا إلى وجود دراسات جديدة مشجعة، ولكن لا تزال غير معمّمة حول أدوية نلجأ إليها في العادة في حالات إنتشار الورم هي Cyclin-dependent kinase inhibitors، تتحدث تلك الدراسات عن إمكانية إستعمال هذه العلاجات في المراحل المبكرة لدورها في التخفيف من نسبة ظهور المرض وهو أمر مشجع وذلك طبعاً بحسب مواصفات الورم. لكن هذه العلاجات باهظة التكلفة، لذلك من الضروري أن تتبع السيدة إجراءات الكشف المبكر غير المكلفة والتي تضمن نجاح العلاج وإطالة أمد الحياة بنسبة عالية. 

ما هي آخر الأرقام والإحصاءات حول نسب الإصابة بسرطان الثدي؟

الإحصاءات تشير إلى أننا في لبنان لدينا حوالى 2500 حالة سرطان ثدي جديدة سنوياً، 50 بالمئة منها دون سن الخمسين. لكن ثلثي الحالات يتم إكتشافها في المراحل المبكرة؛ المرحلتان الأولى والثانية تصل نسبة الشفاء فيها إلى ما بين 80 إلى 90 بالمئة.

تواجه مريضات سرطان الثدي تحد جديد من خلال تفشي وباء كورونا. كيف تتعاملون مع المريضات من حيث بروتوكولات العلاج المعتمدة؟ وما مدى تأثيرها على الجهاز المناعي؟

يقوم مجلس الأورام الطبي متعدد التخصصات (Multi multidisciplinary Tumor Boards) بالإجتماع عن بُعد (Virtual Meetings) بين الأطباء متعدّدو الإختصاصات في المستشفى الذي يعالج مرضى السرطان وكذلك بالتعاون مع مستشفيات أخرى في لبنان والدول العربية وأوروبا وأميركا بشكل مستمر؛ يضم الإجتماع ما يزيد عن 15 طبيباً من إختصاصات متنوعة تتعلق بالسرطان وعلاجاته، ليقترح كل طبيب ما لديه من بروتوكولات من شأنها أن تخفف معاناة المريضة خلال رحلتها في مكافحة السرطان من دون أن يؤثر إنتشار الجائحة على ذلك. نؤكد على السيدات بالإهتمام جيداً بصحتهن وعدم التعرض لأي خطر يسهم في نقل العدوى إليهن. إن  الخوف من فيروس كورونا المستجد لا يجب أن يمنع السيدة من التوجه إلى المركز الطبي أو الطبيب المختص للقيام بإجراءات الكشف المبكر لاسيما في ظل إتباع المستشفيات لمعايير السلامة والإجراءات الإحترازية الخاصة بالفيروس وبشكل مشدّد. 

على المريضة أن تزور الطبيب على أن تتم المتابعة معها بعد ذلك بشتى وسائل التواصل الإجتماعي عن بُعد لكي نساعد في الحد من خروجها من المنزل. لذلك، أؤكد أنه يتوجب على المريضات عدم إهمال الفحص الدوري بسبب الخوف من الفيروس. أما مريضات سرطان الثدي، فنحن نجري نوعاً من التأقلم مع الحالة بمعنى أنه في حال لم يكن هناك أمر طارئ نقوم بتأجيل العملية وفي حال لا يمكن ذلك نجري لها فحص الـPCR حفاظاً على سلامتها وسلامة الطاقم الطبي ونقوم بعد ذلك بالجراحة. في حال إتباع المريضة للعلاجات، يمكن إعطاؤها مضادات الهرمونات؛ وفي حال تناولها العلاج الكيميائي فمن الممكن الإستعانة بالعلاج الكيميائي الفموي على أن تتناوله المريضة في المنزل ونتابع حالتها عن كثب بواسطة وسائل الطب عن بُعد. ونحرص دوماً على إعطاء العلاجات التي تسهم في تنشيط المناعة.

هل من كلمة تود التوجه بها إلى السيدات لحثّهن على إتباع فحوصات الكشف المبكر؟

أود التوجه إلى النساء بالقول أنه يجب تغيير مفهوم السرطان من مرض مميت إلى مرض يمكن التعايش معه؛ لا يجب أن نقول أنّ السيدة ماتت من السرطان بل إنها تعيش مع السرطان وتعيش في مرحلة ما بعد السرطان حيث أن غالبية المريضات يشفين ويعدن إلى حياتهن الطبيعية. 

إن أهم ما في الأمر هو الكشف المبكر وعدم الخجل أو الخوف على الإطلاق نظراً للتطور الطبي الحاصل والعلاجات التي غيرت مفهوم السرطان من مرض مميت إلى مرض يمكن التعايش معه. ولعل أهم ما أؤكد عليه اليوم هو التأكيد على أهمية الفحص الذاتي للثدي الذي ينبغي أن تقوم به السيدة شهريا لما له من دور مهم في الكشف عن أي تغيرات يمكن أن تحدث في الثديين وقد تكون بمثابة إنذار يستدعي التوجه إلى الطبيب المختص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى