كليات الطب

الدكتور محمد يوسف 

الدكتور محمد يوسف

أستاذ الفيزياء  وايل كورنيل للطبقطر

الفيزياء هي  أحد العلوم الأساسية التي تمثّل دعامةً للكثير من جوانب الطب الحديث

الدكتور محمد يوسف هو أستاذ الفيزياء في وايل كورنيل للطبقطر، وقد سبق له أن شغل منصب أستاذ مشارك في علم الفيزياء في جامعة جنوب إلينويإدواردسفيل. وهو من الأكاديميين المتمرّسين، حيث درّس مناهج الفيزياء المعدّة خصيصاً لتخصصات العلوم الطبية، بالإضافة إلى تدريس البرامج المهنية التمهيدية وفيزياء الطب الحيوي. وتشمل اهتماماته البحثية الفيزياء الحيوية الجزيئية والهيكلية، ويعكف في الوقت الراهن على مسارات بحثية تتعلق بالبيانات الضخمة (بيغ داتا) والفيزياء الحيوية البيئية والطب. الدكتور يوسف حاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء الحيوية الجزيئية من جامعة ولاية فلوريدا، ودرجة ماجستير العلوم في معلوماتية الرعاية الصحية من جامعة جنوب إلينوي. مجلة المستشفى العربي أجرت مقابلة مع الدكتور محمد يوسف تحدّث فيها عن مفاهيم الفيزياء وأهميتها الأساسية بالنسبة للعلوم الطبية وأوجه التقائها بالعلوم الطبية كافة تقريباً.

ما علاقة الفيزياء بالطب؟

الفيزياء هي أحد العلوم الأساسية التي تمثّل دعامة للكثير من جوانب الطب الحديث، ابتداءً من الإشعاع الذي يمكّن التصوير التشخيصي، وانتهاءً بالتنفيذ الدقيق للعلاجات الطبية. والفيزياء موجودة حولنا وتحيط بنا في كلّ مكان. وفهمُ المبادئ الأساسية للفيزياء يتيح لأصحاب المهن الطبية تطوير تكنولوجيات فائقة وتحقيق الإستراتيجيات العلاجية المثالية وضمان سلامة المريض.

عرّف لنا الفيزياء الإشعاعية وأهميتها في مجال الطب.

الفيزياء الإشعاعية هي أحد الفروع المتخصصة في علم الفيزياء، وتستكشف سمات وسلوكيات وتأثيرات أنواع الإشعاع المختلفة. وفي الطب، تشمل الفيزياء الإشعاعية دراسة الإشعاعات المؤيّنة، مثل الأشعة السينية وأشعة غاما، والإشعاعات غير المؤيّنة المستخدمة في التطبيقات التشخيصية والعلاجية. ولهذا المجال أهمية محورية في العديد من التخصصات الطبية، بما في ذلك العلاج الإشعاعي والطب النووي والأشعة التشخيصية. وعلاوةً على ذلك، ومع دخولنا حقبة الذكاء الاصطناعي، تشهد الفيزياء الإشعاعية تطورات غير مسبوقة في تفسير التصوير الطبي وتخطيط المنهجية العلاجية والطب الشخصي.

وقد لمسنا اهتماماً إقليمياً متنامياً بالفيزياء الإشعاعية تجسّد في الأعداد القياسية للحاضرين والمشاركين في حلقة عمل استضفناها مؤخراً في إطار أنشطة التعليم الطبي المستمر الذي تعقدها وايل كورنيل للطبقطر. فقد لاقت حلقة العملمستقبل الفيزياء الإشعاعية في الطبصدى لدى مجموعة واسعة من أصحاب المهن الصحية المتخصصين الذين أتاحت لهم حلقة العمل فرصة الإصغاء إلى نخبة من أبرز العلماء الدوليين بشأن أحدث التطورات والمسارات المحتملة للفيزياء الإشعاعية بصفتها تخصصاً دينامياً، وبشأن التعاون متعدد التخصصات للفيزياء وتقاطعها مع العديد من المجالات الوثيقة الصلة بالطب، مثل الميكانيكا الحيوية والذكاء الاصطناعي.

ما مدى أمان الإشعاع في التقنيات الطبية؟

ثمة مخاوف محيطة بالإشعاع في التقنيات الطبية وهذه مسألة مفهومة، ولكن من المهم التمييز بين الإشعاعات المؤيّنة والإشعاعات غير المؤيّنة لتبديد المخاوف المتعلقة بالسلامة بشكل فعّال.

فالإشعاعات المؤيّنة، مثل الأشعة السينية وأشعة غاما، تتسم بطاقة كافية لإزالة الإلكترونات الملتصقة بشدّة من الذرات، ومن ثمّ تأيّنها. وغالباً ما يُستخدم هذا الإشعاع الفائق الطاقة في تقنيات التصوير التشخيصي مثل التصوير الشعاعي بالأشعة السينية، والأشعة المقطعية، والعلاج الإشعاعي، وإجراءات الطب النووي. وفي حين أن الإشعاعات المؤيّنة فعّالة للغاية، إلا أنها تحمل مخاطر محتملة بسبب قدرتها على إتلاف الأنسجة البيولوجية على مستوى الخلوي. لكن تُطبّق بروتوكولات سلامة صارمة، بما في ذلك حواجز التدريع وتقديم الجرعة المثالية، في البيئات الطبية لتقليل المخاطر التي قد تطال المرضى والعاملين الصحيين.

وفي المقابل، غالباً ما تُستخدم الإشعاعات غير المؤيّنة، مثل الموجات الراديوية، والموجات الصّغرية أو المكروية، والموجات الصوتية، والضوء المرئي، في التطبيقات الطبية مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والتصوير بالموجات فوق الصوتية. وتُعدّ مثل هذه التقنيات بدائل آمنة لطرائق التصوير القائمة على الإشعاعات المؤيّنة. ولا بدّ أن نشير هنا إلى أن هاتين التقنيتين الإشعاعيتين غير اختراقيتين أو غير باضعتين، الأمر الذي يعزز سلامتهما.

وتطبّق في المرافق الطبية برامج شاملة للسلامة الإشعاعية بما يكفل الاستخدام الآمن للإشعاعات المؤيّنة في الإجراءات التشخيصية والعلاجية. وبالإضافة إلى كلّ ذلك، تطبّق الهيئات التنظيمية مبادئ توجيهية ومعايير صارمة لدعم السلامة الإشعاعية في أماكن الرعاية الصحية، ما يعزز التدابير المتخذة لضمان سلامة المريض والعاملين في مجال الرعاية الصحية.

ما الذي يحمله المستقبل للفيزياء الإشعاعية على صعيد علاج الأمراض التي يصعب علاجها أو المستعصية؟

يزداد الإقرار بأهمية العلاج الإشعاعي، على وجه التحديد، كأداة حيوية في إدارة الأمراض المستعصية أو التي يصعب علاجها، ومنها أنواع معيّنة من السرطان والاضطرابات العصبية.

والعلاج بالبروتون يمثّل طريقة علاجية قوية توفّر جرعات مستهدفة بدقة من الإشعاع للأورام مع جعل التعرض للأنسجة السليمة المحيطة ضمن أضيق نطاق ممكن. وعلاوةً على ذلك، فإن دمج طرق التصوير المتقدمة، مثل التصوير المقطعي بالانبعاث البوزيتروني (المعروف اختصاراً باسم PET) والعلاج الإشعاعي الموجّه بالرنين المغناطيسي، من شأنه أن يعزز التخطيط للعلاج ودقته الاستهدافية، ما يسهم في تحسين الحصيلة العلاجية للمصابين بأمراض صعبة.

وبالإضافة إلى ذلك، تُلقي الأبحاث الجارية في علم الأحياء الإشعاعي وبيولوجيا الأورام الضوء على نُهج علاجية ابتكارية، مثل العلاج الإشعاعي الجزيئي المستهدف والإشعاع المناعي، التي لها آفاق واعدة في تحسين فعالية العلاج والحصيلة العلاجية في الأمراض التي يصعب علاجها.

والتآزر بين الفيزياء الإشعاعية والتكنولوجيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا النانوية، بات يُحدث نقلة ثورية في نماذج العلاج من خلال تمكين أساليب العلاج الإشعاعي التكيّفية والقائمة على حالة كل شخص.

هل ثمة تطورات حديثة في تطبيق الفيزياء لعلاج أمراض معيّنة أو محدّدة؟

تقليدياً، تمّت معالجة أمراض مثل ألزهايمر وباركنسون من خلال التدخلات الدوائية والعلاجات السلوكية، في حين تقدّم اليوم التكنولوجيات الناشئة المتجذرة في علم الفيزياء مسارات ابتكارية لاستكشاف علاجات غير مسبوقة. وثمة تطور مهمّ في هذا الصدد يتمثل في تطبيق التحفيز العميق للدماغ (DBS) في علاج مرض باركنسون. وبالمثل، في مرض ألزهايمر، ظهرت تقنيات غير باضعة لتحفيز الدماغ، مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) وتحفيز التيار المباشر عبر الجمجمة (tDCS)، وهاتان الطريقتان العلاجيتان واعدتان. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دمج أدوات النمذجة والمحاكاة الحاسوبية القائمة على علم الفيزياء يعطينا رؤية متعمقة قيّمة عن الديناميات المعقدة للأمراض التنكسية العصبية. ومن خلال محاكاة الشبكات العصبية، يمكن للباحثين استكشاف آليات الأمراض والتنبؤ بالحصيلة العلاجية وتحسين التدخلات العلاجية المصمّمة خصيصاً بما يتوافق مع كل حالة مرضيّة فردية.

هل ترون أنه من المهم إدماج الفيزياء في المناهج الطبية؟

الفيزياء هي أحد العلوم الأساسية وهي تتقاطع حتماً مع التخصصات الطبية كافةً تقريباً، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر. وللفيزياء حضور ملموس في علم وظائف الأعضاء وعلم الأعصاب والتشريح، وحتى على المستوى الجزيئي يصعب فهم التفاعلات المعقدة داخل جسم الإنسان دون فهم مُحكم لمبادئ علم الفيزياء. وفي غضون السنوات العشر إلى الخمس عشرة سنة القادمة، من المرجّح أن نشهد تحوّل الأطباء إلى خبراء يجمعون بين الطب وتخصصات أخرى مثل البحوث أو الذكاء الاصطناعي أو الفيزياء أو الهندسة أو تحليل البيانات الضخمة. وبطبيعة الحال، لا نتوقع من كل الأطباء في المستقبل أن يكونوا فيزيائيين، لكن يتعيّن عليهم أن يكونوا ملمّين بأساسيات علم الفيزياء لأن من شأن ذلك أن يعزّز تنافسيتهم في مجال الممارسة الطبية التي تشهد تغيرات متسارعة. وإدماج علم الفيزياء والعلوم الأخرى في تعليم الطب مسألة ضرورية لإعداد وتأهيل الكوادر في مجال الرعاية الصحية الذين يتّسمون بقدرات وكفاءات متكاملة، وقادرين على التكيّف والتعامل بفعالية مع تحديات قطاع الرعاية الصحية في المستقبل.

كيف تتصوّرون مستقبل الفيزياء الإشعاعية في الطب؟

يعدُ مستقبل الفيزياء الإشعاعية في الطب بإمكانات هائلة على صعيد التحولات الفارقة في تشخيص الأمراض وعلاجها ورعاية المرضى. وبينما نواصل تحقيق إنجازات واختراقات في التكنولوجيا والابتكار والانطلاق بهما نحو آفاق غير مسبوقة، سيكون التعاون بين الأطباء والفيزيائيين مسألة بالغة الأهمية في تحقيق هذه الرؤية، حيث يقدّم الأطباء رؤى إكلينيكية متعمقة ووجهات نظر تتمحور حول المريض، بينما يسهم الفيزيائيون بالمعرفة التقنية والمهارات التحليلية. وباستطاعة الأطباء والفيزيائيين، إذا ما تضافرت جهودهم، ابتكار طرق علاجية غير مسبوقة، وتحسين الحصيلة العلاجية، وفي نهاية المطاف النهوض بمعايير رعاية المرضى في جميع أنحاء العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى