أمراض وعلاجات

Covid-19 ومرض الإنسداد الرئوي المزمن

Covid-19 ومرض الإنسداد الرئوي المزمن

خطر مضاعف يستوجب أعلى درجات الوقاية

يؤثر فيروس كورونا المستجد Covid-19 على الرئتين بشكل مباشر، ما يجعل المصابين بالأمراض الرئوية المزمنة أكثر عرضة للمضاعفات مثل مرضى الربو والإنسداد الرئوي المزمن والتليف الرئوي وغيرها. هذه الفئة من المرضى يتوجب عليهم أخذ الإحتياطات والإجراءات الوقائية اللازمة تجنبا للخطر المضاعف والأذى البالغ الذي يمكن أن يصيبهم جرّاء تعرضهم للفيروس المستجد.

يهاجم فيروس كورونا المستجد الرئة؛ لذلك، إن رعاية هذا العضو وحمايته أمر أساسي إذ أن وجود مرض ما في الرئة يزيد من مضاعفات COVID-19 حيث يؤثر الفيروس على الجهاز التنفسي.  

الباحثون في هذا المجال أشاروا إلى أن تلف الرئة الناجم عن مرض الإنسداد الرئوي المزمن (COPD- Chronic Obstructive Pulmonary Disease) يجعل من الصعب على الجسم محاربة الإصابات الجديدة.

مرض الإنسداد الرئوي المزمن يشير إلى مجموعة من الأمراض المزمنة التي تتسبب بعدم تدفق الهواء فتصبح المسالك الهوائية ملتهبة وسميكة ويمكن أن تؤدي إلى تلف في أنسجة الرئة، ما يؤدي إلى ضيق في التنفس وسعال، وتكون الرئة معرضة للإنتفاخ وإلتهاب مزمن في الشعب الهوائية.  في المراحل الأولى من المرض تكاد لا تظهر الأعراض أو ربما تظهر بشكل خفيف لا يستدعي القلق من قبل المريض، ولكن في المراحل اللاحقة تزداد الأعراض وضوحا فيعاني المريض من سعال مستمر وضيق في التنفس. الإحصاءات الحديثة في ما يتعلق بالإصابة بفيروس كورونا المستجد، تشير إلى أن مرضى الإنسداد الرئوي المزمن يواجهون مخاطر عدة تصل إلى الوفاة بنسبة 60 بالمائة.

الإنسداد الرئوي المزمن من الأمراض التي لا يمكن الشفاء منها، لكن المريض يمكن أن يتعايش معه ويقلل من مخاطره من خلال إتباع أسلوب حياة صحي يساهم في التخفيف من حدة الأعراض المصاحبة ويقلل من خطر الوفاة. يتعرض مرضى الإنسداد الرئوي المزمن لنوبات حادة تدل على اشتداد المرض إثر تعرضهم لنوبات خطيرة من ضيق في التنفس والسعال وإفراز البلغم لفترات تستمر بضعة أيام أو حتى أسابيع ويحتاج المريض في مثل هذه الحالات إلى رعاية طبية عاجلة وربما البقاء في المستشفى للسيطرة على الحالة. يشمل الإنسداد الرئوي المزمن أمراض عدة مثل الربو وإلتهاب القصبات المزمن وإنتفاخ الرئة، حيث تشترك كل هذه الأمراض في أمر واحد هو إنسداد الشعب الهوائية.

هذه الفئة من المرضى عليهم تناول الأدوية التي تعزز فتح أنابيب الشعب الهوائية، وهم بحاجة إلى علاج يومي وفي الأزمات الحادة يتطلب الأمر التدخل الطبي العاجل لتزويد المريض بالأوكسجين ليوم كامل أو طوال فترة الليل لأن أنابيب القصبات الهوائية لا تسمح بمرور كمية كافية من الهواء ما يقلل من وفرة الأوكسجين. في حال ظهور أي أعراض، على مرضى الإنسداد الرئوي المزمن إستشارة الطبيب فورا وعدم التوقف عن تناول الدواء من دون إستشارته. كما أن هؤلاء المرضى يتوجب عليهم إتباع أقصى درجات الحيطة والحذر من حيث التباعد الإجتماعي والتعقيم وتجنب التواجد في أماكن مزدحمة حفاظا على صحتهم.

كيف تتأثر الرئة؟

في حالات مرض الإنسداد الرئوي المزمن، تكوّن الخلايا الموجودة في مجرى الهواء كمية كبيرة من المخاط تزيد عن الكمية الطبيعية لتزداد شيئا فشيئا إلى أن يضيق مجرى الهواء فتقل نسبة الهواء في الرئتين ومع الوقت تصاب بطانة مجرى الهواء بالإلتهاب فيضيق المجرى أكثر فأكثر. فالهواء ينتقل نزولاً عبر القصبة الهوائية ليدخل بعد ذلك إلى الرئتين من خلال الشعب الهوائية وفي داخل الرئتين، وتنقسم هذه الشعب إلى عدة أنابيب أصغر حجما تسمى القصيبات الهوائية وتنتهي في عناقيد من الأكياس الهوائية الصغيرة هي الحويصلات الهوائية.  تتميز تلك الحويصلات الهوائية بجدران رفيعة للغاية مليئة بالأوعية الدموية الدقيقة؛ يمر الأوكسجين الذي نستنشقه من الهواء عبر هذه الأوعية الدموية ويدخل مجرى الدم. في الوقت نفسه، يتم إستنشاق ثاني أوكسيد الكربون وهو غاز ناتج من فضلات التمثيل الغذائي.

تعتمد الرئتان على المرونة الطبيعية للشعب الهوائية والأكياس الهوائية لإجبار الهواء على الخروج من الجسم، ولكن يتسبب مرض الإنسداد الرئوي المزمن في فقدان هذه المرونة وإنهيارها جزئيا، ما يترك بعض الهواء محبوسا في الرئتين عند الإستنشاق. مع الوقت، تصاب مجاري الهواء صغيرة الحجم بالتلف وتفقد مرونتها، مما يتسبب في احتباس الهواء داخل الأكياس الهوائية وهذا يعني دخول نسبة قليلة من الأوكسجين إلى الأوعية الدموية. وصول نسبة قليلة من الأوكسجين إلى جميع خلايا الجسم يؤدي إلى صعوبة التنفس.

للأسف، أعراض المرض لا تظهر إلا بعد حدوث تلف كبير في الرئتين فيتعرض المريض حينها إلى نوبات من السعال المزمن وصعوبة في التنفس وضيق في الصدر، كما تكثر الإفرازات المخاطية في الرئتين ويعاني المريض من إلتهابات الجهاز التنفسي بشكل متكرر، فيعجز المريض عن القيام بمهامه اليومية بشكل طبيعي وتتفاقم الأعراض ما يؤدي إلى خسارة حوالى 25 بالمائة من وظيفة الرئة.

ورغم أن المرض يظهر عادة في سن الأربعين وما فوق، إلا أن ذلك لا يعني أن المرض بدأ لتوّه بل هو نتيجة سنوات متواصلة من التدخين أدت إلى تغلغله تدريجياً في الرئتين من دون علم المريض. هنا تكمن أهمية الإنتباه إلى الأعراض الأولى وهي إفرازات البلغم والسعال المتكرر، وهو ما يعاني منه معظم المدخنين من دون أن يعيروا اهتماما لذلك على إعتبار أنه أمر طبيعي طالما أنهم يدخنون السجائر ما يؤدي إلى تفاقم الحالة وتقدم المرض أكثر فأكثر.

أبرز المسببات

يجمع أهل الإختصاص على أن التدخين هو المسبب الأول لإنسداد الرئة المزمن حيث تشير التقديرات إلى أن 8 من أصل 10 حالات سببها التدخين الذي يؤثر على الخلايا التي تنتج المخاط في الرئة ما يؤدي إلى زيادة كميته وكثافته، فتعجز الرئة عن التخلص منه ويتراكم في مجرى التنفس ويؤدي إلى انسداده، ويزيد من فرصة تعرّض الشخص للعدوى. كما يؤثر التدخين على أنسجة الرئة فيقلل من عدد الأوعية الدموية، ويُعيق عملية نقل الأوكسجين إلى باقي أنحاء الجسم.  تلوث البيئة يعتبر كذلك من المسببات حيث أن التعرض لمواد سامة من العوامل المؤهلة للإصابة كالتعرض للغازات السامة والمركبات الكيميائية والسيليكون والرصاص وغاز المركبات وغيرها. كما أن التعرض لإصابة به سابقة في مرحلة الطفولة يزيد من خطر الإصابة في سن البلوغ. بعض الحالات الأخرى قد يكون سبب الإصابة له علاقة بالجينات وهو ما يبرر أن ليس كل المدخنين يصابون بهذا الداء.

علاجات حديثة

يتوافر اليوم خيارات علاجية عديدة في ظل التطور الطبي الحاصل، فهناك أنواع مختلفة من الأدوية لعلاج أعراض ومضاعفات مرض الإنسداد الرئوي المزمن، ويمكن تناول بعض الأدوية بشكل منتظم، والبعض الآخر عند الضرورة. يحدد الطبيب المختص خطة العلاج الواجب إتباعها بحسب الحالة ومدة تفاقمها، فقد تتطلب الحالة إستخدام موسعات القصبات الهوائية وتكون عادةً على شكل بخاخ تعمل على إرخاء العضلات الموجودة حول الممرات الهوائية. وقد يساعد هذا في تخفيف حدّة السعال وضيق التنفس، ويجعل التنفس أسهل. في الحالات المتوسطة أو الحادة، فإن الستيرويدات التي تؤخذ عن طريق الفم تمنع تفاقم شدة مرض الإنسداد الرئوي المزمن بشكل أسوأ، مع الأخذ بعين الإعتبار ما قد تسببه من مضاعفات. كما تساعد المضادات الحيوية على مكافحة حالات تفاقم المرض الحادة.

في حال عدم وجود كمية كافية من الأوكسجين في الدم، قد يحتاج المريض إلى الأوكسجين التكميلي. وهناك العديد من الأجهزة لتوصيل الأوكسجين إلى الرئتين، مثل الوحدات المتنقلة خفيفة الوزن التي يمكن للمريض حملها أثناء أداء المهام والتنقل. هذا النوع من العلاج بالأوكسجين يسهم إلى حد كبير في تحسين نوعية الحياة. 

بما أن الإنسداد الرئوي يندرج ضمن لائحة الأمراض المزمنة التي تستدعي العلاج الدائم، على المريض أن يتعايش مع حالته المرضية ويبتعد عن كل ما من شأنه أن يحفز النوبة وذلك أمر ممكن على المريض ان يتعلمه؛ وهنا يأتي دور الطبيب المعالج في تثقيف المريض وتعليمه كيفية التعايش مع حالته المرضية وما هي الخطوات الواجب اعتمادها لتغيير نمط حياته ليتماشى مع وضعه الصحي الجديد. 

تقنيات التنفس أو التحكم في التنفس من الخطوات الوقائية والعلاجية على حد سواء، فالطبيب أو أخصائي التنفس عليه أن يتحدث مع المريض ويعلمه تقنيات التنفس وأساليب الإسترخاء التي يمكنك استخدامها عندما يعاني من ضيق في التنفس.

من الخطوات اليومية التي يتوجب على المريض القيام بها هي تطهير الممرات الهوائية؛ ففي حالة الإصابة بمرض الإنسداد الرئوي المزمن، يميل المخاط إلى التجمع في الممرات الهوائية بشكل صعب إزالتها. يجب شرب الكثير من المياه وإستخدام جهاز ضبط الرطوبة. 

لا ينصح المرضى بممارسة التمارين العنيفة وهي قد تكون أمرا صعبا إلى حد ما، إلا أن التمارين الرياضية المنتظمة تسهم في تحسين قوة الجسم عموما وقوة عضلات التنفس؛ الطعام الصحي مهم جدا للسيطرة على الحالة وخسارة الوزن الزائد تساعد في تحسن التنفس، ومن البديهي كذلك أن يتجنب المريض التدخين وتلوث الهواء. 

إن العمل على تخفيف أعراض المرض يسهم في الحد من تطوره وبالتالي تنخفض نسبة الوفيات الناجمة عنه. فالعلاجات الطبية المتوفرة اليوم تخفف من حدة الأعراض وتحسن نوعية حياة المريض، والأهم من ذلك الإقلاع عن التدخين هو العلاج الأكثر فعالية سواء التدخين أو التدخين السلبي حيث تسهم هذه الخطوة في إبطاء تطور المرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى