مقابلات

د. طارق الصنّاع

المتخصص في جراحة الدماغ والاعصاب والعمود الفقري

د. طارق الصنّاع

“التدخل الجراحي المحدود غيّر مفهوم جراحات العمود الفقري”

تغيّر مفهوم جراحات العمود الفقري فتحولت من جراحات ضخمة وتقليدية الى جراحات تتم تحت تأثير التخدير الموضعي وبشقوق صغيرة جدا؛ فقد تلاشت مخاوف المرضى من جراحات الديسك وغيرها من مشاكل العمود الفقري من خلال عمليات تتم بالحد الادنى من التدخل الجراحي وفق ما تحدّث به الدكتور طارق الصنّاع، المتخصص في جراحة الدماغ والأعصاب والعمود الفقري في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت. 

ما هي أهم التطورات التي طرأت على مجال جراحات العمود الفقري؟

في الواقع هناك الكثير من التطورات التي أسهمت في تغيير وجه الطب بشكل عام، وجراحة الدماغ والأعصاب والعمود الفقري كان لها نصيبا وافرا من هذا التطور في ظل دخول العديد من التخصصات الفرعية الى هذا المجال.

ولعل أحدث التطورات هو العمليات التي تتم بالحد الأدنى من التدخل الجراحي في جراحة العمود الفقري (Minimally Invasive Spine Surgery) والتي يمكن إجراء البعض منها تحت تأثير التخدير الموضعي.

لقد أسهم هذا النوع من العمليات بتغيير المفهوم السائد لدى عامة الناس من مخاطر ومضاعفات قد تحصل خلال العملية او بعدها من شلل او آلام مبرحة او جرح كبير وما يرافق ذلك من مشاكل وتعقيدات سواء في مرحلة الجراحة او ما بعدها، فضلا عن خوف البعض من التخدير العمومي وتأثيراته بعد الإفاقة.

فمن خلال شقوق صغيرة لا تتعدى سنتمترا واحدا او ربما 2 سنتمتر، بات بإمكاننا إجراء عمليات الديسك وعمليات توسيع القناة والتليّف إضافة الى عمليات إزالة الأورام على العمود الفقري او آلام الظهر الناتجة عن تضيق العمود الفقري أو عمليات تضييق القناة الشوكية، وهي كلها يمكن إجراؤها تحت تأثير التخدير الموضعي ما يعني أن المريض يمكنه أن يغادر المستشفى في اليوم نفسه من دون ان يعاني من مضاعفات ما بعد الجراحة التقليدية الكبيرة مثل طول فترة التعافي والتهاب الجرح والنزيف لا سيما في حال كان المريض كبير السن أو يعاني من امراض مزمنة.

فبدلا من إجراء شق في الظهر يزيد عن 20 سنتيمتر، بات من الممكن الوصول الى الهدف المنشود بأقل تدخل جراحي ممكن ما يعني أننا نحقق النتيجة التي نريدها بشقوق صغيرة فقط وهو ما قمت بدراسته لسنوات في كندا بالاضافة الى التدريب وإجراء المئات من العمليات من هذا النوع.

ما هي العمليات التي يمكن إجراؤها بواسطة هذه التقنية؟

يمكن علاج الكثير من مشاكل العمود الفقري بواسطة التدخل الجراحي المحدود منها أورام العمود الفقري ومشاكل دودة الظهر والغشاء المحيط بها وأمراض الديسك وتليف العمود الفقري وتضيق القناة وغيرها.  كسور العمود الفقري ووضع قفص بين الفقرات والتضيق على الاعصاب وغيرها من مشاكل العمود الفقري يمكن اجراؤها بواسطة التدخل الجراحي المحدود. ومن العمليات المهمة التي تم إنجازها بهذه الطريقة هي عملية التثبيت الداخلي للفقرات في حالات التزحزح الفقري القطني وبعض حالات الإنزلاق الغضروفي وكسور الفقرات، بحيث تعتمد هذه الطريقة على توسيع العضلات بدون الحاجة لقطعها. فيتم الدخول بواسطة شقوق لا تتعدى السنتمتر الواحد او 2 سنتمتر ويتم إدخال البراغي لتثبيت الفقرات.

وما أود التأكيد عليه في هذا المجال أن خبرة الطبيب ودراسته لهذا التخصص الفرعي الذي يندرج ضمن اختصاص جراحة الدماغ والعمود الفقري، هي الأهم في نجاح العملية لأن الطبيب المتمرس بات لديه خبرة طويلة من خلال ما قام به من عمليات مماثلة تخوله أولا من اجراء هذه العمليات بنجاح وثانيا تساعده على التعامل مع المضاعفات او المشاكل التي قد تطرأ مع المريض سواء خلال العملية أو بعدها. 

الوصول الى الديسك من خلال البطن

بالإضافة الى ذلك، لدينا تقنية حديثة أيضا تدخل ضمن إطار عمليات الحد الادنى من التدخل الجراحي للعمود الفقري تسمى Oblique Lumber  Inter body Fusion- OLIF، وفي هذه التقنية نقوم بإزالة الديسك من خلال البطن؛ نلجأ الى هذه التقنية في حال كان المريض قد أجرى عمليات سابقة في الظهر ولا يحتمل المزيد من الشقوق بحيث يمكن ان يتعرض لالتهاب في الجرح وتلاشي عضلات الظهر خصوصا اذا كان كبير في السن او يعاني من بعض الأمراض المزمنة.

في هذه الحالة، عادة ما تكون الفقرات قريبة من بعضها وتضغط على العصب، وما قمت به هو الدخول بواسطة شق صغير من البطن لا يتجاوز 4 سنتمتر تمكنت من خلاله الوصول الى الديسك وإزالته ومن ثم وضع أقفاص على ثلاث مستويات مع إبعاد الفقرات لتخفيف الضغط على العصب؛ وما نقوم به من الظهر هو وضع البراغي فقط بشق لا يتعدى السنتمتر الواحد. بالطبع يمكننا رؤية المنطقة كلها بوضوح بواسطة أشعة X-ray. هذه العملية تتم في أماكن عدة، ولكننا كنا أول من قام بالعملية لما بين الفقرتين الخامسة والأولى حيث سجلنا إنجازا في هذا المجال.

كيف يمكن العمل بدقة في المنطقة المتضررة من خلال تلك الشقوق الصغيرة؟

المسألة هنا لا تعتمد على حجم الشق او مساحته، بل ان ما نعتمد عليه هو الأشعة X-Ray خلال العملية فهي التي تساعدنا على رؤية المنطقة المتضررة بدقة متناهية حيث انها تخولنا من رؤية جوف المريض من كل الاتجاهات وبالابعاد الثلاثية.

ما هي العمليات التي لا يمكن إجراؤها بواسطة التدخل الجراحي المحدود؟

العمليات الوحيدة التي لا يمكن إجراؤها بواسطة التدخل الجراحي المحدود هي حالات تكون بحاجة الى شق كبير؛ فمثلا في حال وجود ورم كبير يتعدى مستويين من العمود الفقري فنحن بحاجة الى شق كبير وبالتالي جراحة ضخمة لأن الورم في هذه الحالة هو أكبر من الشق.

كما ان حالات الجنف او انحناء العمود الفقري (scoliosis) تتطلب فتح مسافة كبيرة من العمود لتجليسه ولا يمكن أن تتم بواسطة شق صغير، رغم ان هناك العديد من الدراسات الحديثة حول أجهزة يتم تطويرها من أجل الوصول الى امكانية إجراء هذه العملية بأقل تدخل جراحي ممكن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى