مقابلات

البروفسور ناجي الصغير

البروفسور ناجي الصغير

تقرير منظمة الصحة حول السرطان يدق ناقوس الخطر حول الواقع الصحي في دول العالم

مع صدور تقرير منظمة الصحة العالمية حول السرطان في العالم، كان لابد من الوقوف مطولا عند النتائج والأرقام المخيفة التي يشهدها العالم أجمع لدق ناقوس الخطر واتخاذ الإجراءات اللازمة من اجل الحد من ازدياد حالات السرطان. لبنان احتل المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا بعدد الإصابات قياساً بعدد السكان، كما احتل سرطان الثدي النسبة الأكبر بعدد الإصابات الجديدة بنسبة 18.6% وفق ما جاء في التقرير أي 3219 إصابة. البروفسور ناجي الصغير، رئيس قسم أمراض الدم والأورام ومدير مركز علاج سرطان الثدي في معهد نايف باسيل للسرطان في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت (AUBMC)، رئيس الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي، والرئيس السابق للجنة العالمية للجمعية الأميركية لعلاج السرطان، خصّ مجلةالمستشفى العربيبحوار خاص تناول فيه العوامل المسببة للإصابة بالسرطان وأبرز العلاجات الحديثة.

نود الحديث بداية عن التقرير الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية مؤخرا والذي ذكر ان لبنان يحتل النسبة الأعلى من حيث الإصابة بالسرطان. هلا حدثتنا عن الأسباب والعوامل؟

في الواقع ان ما أصدرته منظمة الصحة العالمية هو بمثابة تقدير حول عدد حالات السرطان حول العالم، حيث اعتمدت على سجلات السرطان الموجودة في كل بلد بالإضافة الى ما نُشر من دراسات وإحصاءات طوال الأعوام السابقة، وطبعا، جاء هذا التقرير ليدق ناقوس الخطر حول خطورة الواقع الصحي في دول العالم أجمع.

لقد ذكر التقرير انه يوجد 17294 حالة سرطان جديدة في لبنان ليجمع بذلك مرضى السرطان من مختلف الجنسيات؛ بتقديري، يوجد حوالى 12 ألف حالة سرطان بين اللبنانيين والنسبة الباقية هي مرضى سرطان من جنسيات مختلفة اذ لا يُخفى على أحد وجود الكثير من المرضى العراقيين والسوريين الذين يأتون للعلاج في لبنان، وهو ما حثنا اليوم في الجامعة الأميركية ان نذكر الجنسية على ملف الإحصائيات لكل مريض.

بالعودة الى الأسباب، فارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان في لبنان يعود لأسباب عدة، حيث ارتفاع متوسط العمر وتغير نمط الحياة فزادت الرفاهية وكثر الطعام غير الصحي في وقت قلّت فيه الحركة فارتفعت نسبة البدانة.

من الأسباب أيضا التدخين الذي يشكل ثلث حالات الإصابة بالسرطان بمختلف أنواعه ويسبب 22 بالمائة من الوفيات في العالم. والخطر الكامن هنا هو ارتفاع نسبة المدخنين والمدخنات ومدخني النرجيلة لاسيما بين فئة الشباب والمراهقين وهو ما ينذر بالخطر الشديد للمستقبل الصحي لهذه الفئة ما يعني أننا مقبلين على نسبة أعلى من الإصابة بالسرطان. مع الإشارة هنا الى التدخين السلبي وما يشكل من مخاطر أيضا.

تلوث الهواء وأزمة النفايات هي بدورها من المشاكل البيئية التي يعاني منها لبنان بشكل كبير لاسيما في السنوات الأخيرة وهو من العوامل التي ساهمت في زيادة عدد حالات السرطان في لبنان، في وقت وضعت منظمة الصحة العالمية تلوث الهواء كواحد من العوامل التي تسبب السرطان.

مسألة الالتهابات تؤثر ايضا في الإصابة بالسرطان مثل التهابات عنق الرحم الذي يمكن ان يسبب سرطان عنق الرحم بعد سنوات، وينصح بإجراء لقاح الـHPV؛ تجدر الإشارة هنا الى أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أعلنت أنها أخذت على عاتقها القضاء على سرطان عنق الرحم من خلال تعميم وتأمين هذا اللقاح بتكلفة قليلة في كل البلدان

وفي هذا الإطار، أود التأكيد على مسألة مهمة وهي أننا نعيد ذِكر تلك العوامل والمسببات مرارا وتكرارا في كل مرة نتحدث فيها عن السرطان ولكننا لن نتوقف عن تكرارها الى ان نصل الى التوعية الكاملة بين المواطنين في المجتمع اللبناني والعربي حيث ان تلك الأسباب تقف وراء غالبية حالات السرطان التي نكتشفها. اما العامل الوراثي، فهو طبعا موجود ولكن بنسبة ضئيلة.

هذه الأرقام المرتفعة تجعلنا بأمس الحاجة الى تفعيل السجل الوطني للسرطان الذي تم إنشاؤه منذ نحو 15 عاما في وزارة الصحة، ليكون لدينا معلومات كافية ووافية حول عدد المرضى والمسببات وغيرها من التفاصيل الضرورية حول كل مريض، لننطلق في البحث عن الحلول.

مع انطلاق حملة سرطان الثدي في شهر أكتوبر، ما هي التقديرات التي صدرت في هذا المجال؟ وماذا عن المسببات؟

لدينا في لبنان حوالى 3000 حالة جديدة هذا العام ولكن طبعا هذا الرقم يضم ايضا مريضات من جنسيات مختلفة. وللأسف فإن نصف الحالات المكتشفة في لبنان وبعض الدول العربية هي لنساء دون سن الخمسين، ولكن الجانب الإيجابي هنا هو ان الكثير من الحالات المكتشفة هي أصبحت في المراحل المبكرة للمرض حيث يمكن السيطرة عليه في ظل تطور العلاجات.

تبدو المسببات هي ذاتها التي تسبب السرطان بشكل عام، ولكن الفارق هنا هو انه يمكن الكشف المبكر عن سرطان الثدي وهو ما يسهم في رفع نسبة الشفاء. من هنا، جاءت حملات التوعية لتركز على أهمية التوعية والكشف المبكر. فعلى الرغم من أهمية الوقاية، إلا ان الكشف المبكر ضروري جدا. الفحص الذاتي للثدي هو أول ما تبدأ به السيدة بين عمر العشرين والأربعين، وذلك يكون بعد الدورة الشهرية حيث يكون الثدي لا يزال طريا، إضافة الى فحص عام لدى الطبيب كل ثلاث سنوات. بعد سن الأربعين، على السيدة ان تجري صورة الماموغرافي سنويا. وتقول الجمعية الأميركية للسرطان انه بعد سن الخمسة وخمسين ممكن للسيدة إجراء تلك الصورة كل سنتين ما لم يكن لديها تاريخ عائلي وزيادة خطورة إصابة.

ماذا حققتم اليوم بعد سنوات على حملة سرطان الثدي؟

لقد أسهمت هذه الحملة بالإضاءة على سرطان الثدي بشكل كبير فتخلصت الكثير من النساء من عامل الخجل؛ كما ان الكثير من الحالات بتنا نكتشفها بشكل مبكر، ففي الجامعة الأميركية اليوم ثلثي الحالات هي مبكرة ما يعني ان هناك فرصة كبيرة أمام المريضة للاحتفاظ بالثدي وتجنب الجراحة ما يتيح الفرصة لنجاح العلاج نظرا لأهمية العامل النفسي. هناك الكثير من الأنشطة التي تطال مختلف المناطق اللبنانية ولكننا لا نزال بحاجة الى مزيد من الجهود للوصول الى عدد اكبر من النساء. والحملة هي بالتأكيد مع وزارة الصحة الى جانب الجمعيات الأهلية وأطباء التورم الخبيث، وهدفنا ان نصل الى كل العالم حيث أقمنا نشاطات توعوية في جزين وصور وحملات في طرابلس وبعلبك وحاصبيا وجونية وبسكنتا وكذلك في بعض المدارس والجامعات.

السنوات الأخيرة شهدت الكثير من التطورات على مستوى علاجات السرطان وتحديدا سرطان الثدي. هلا حدثتنا عنها؟

بالفعل، فقد تركت التطورات العلاجية أثرا  ايجابيا كبيرا على مريضات سرطان الثدي، ويمكن ان حوالى 90 بالمائة من الحالات المكتشفة مبكرا تصل الى الشفاء التام. من هنا، فإن تركيزنا دائما على اتباع وسائل الكشف المبكر. يوجد اليوم علاجات هرمونية جديدة تزيد من نسبة السيطرة على المرض المنتشر الى خارج الثدي حيث نستخدمها مع أدوية أخرى للسيطرة على دورة الخلية وهي تسمى Cyclin Dependent Kinase Inhibitor – CDK4/6 Inhibitors في حال اظهر التشخيص وجود هرمونات HER 2 على سطح الخلية، فذلك يستدعي تناول نوع جديد من الأدوية Trastuzumab وPertuzumab وهو الاسم الكيميائي للدواء، الذي أثبت فعالية جيدة. العلاج المناعي اثبت فعاليته في علاج سرطانات أخرى، وهناك دراسات حول فعاليته في علاج سرطان الثدي، خاصة اذا كان الفحص اثبت الثلاثية السلبية، أي ما معناه ان الاستروجين ومستقبلات الـHER2  وبروجسترون سلبية، فان نسبة نجاح العلاج تكون أعلى وفي دراسة جديدة تقدمت في المؤتمر ESMO أظهرت انه يمكن الاستفادة اكثر في حال انتشار المرض مع السلبية الثلاثية لفحوصات الهرمونات؛ هذه الحالات أثبتت تجاوبا مع العلاج المناعي حيث تقوم الخلايا المناعية بقتل الخلايا السرطانية. لكن لا بد من الإشارة الى ان هذه العلاجات الجديدة لا تغني عن العلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة بل تترافق معها لإعطاء نتائج علاجية أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى